تتحدد الشخصية في تصور العامة اعتمادا على المظاهر الخارجية القابلة للملاحظةكالجاه أو النفوذ أو الثروة أو السلطة، إنها محددات تعتبر بمثابة معايير تقوم عليهاالمكانة الاجتماعية للشخص، و لكن كما يتحدث العامة عن الشخصية يتحدثون أيضا عنانعدامها حينما يميل الشخص إلى الميل للخضوع و الاستسلام، و إذا عدنا إلى لسانالعرب نجده أيضا يركز على المظاهر الخارجية القابلة للملاحظة، ذلك أن معنى الشخص فياللغة العربية يدل على كل جسم ضخم و بدين و بذلك يكون ظاهرا، أما في اللغة الفرنسيةفكلمة personne و personnalité مشتقتان من اللاتينية persona التي تدل على ذلكالقناع الذي كان يرتديه الممثل ليتناسب مع دوره في المسرحية. أما إذا عدنا إلىالمعاجم المتخصصة روبير، لاروس، لالاند، فنجد أن الشخصية تتحدد من خلال معنيين؛معنى عام و مجرد، فهي تدل خاصية الكائن الذي يكون مسؤولا أخلاقيا أو قانونيا علىأفعاله، و المعنى الثاني معنى مادي محسوس و يتمثل في الخاصيات الأخلاقية الساميةالتي تميز الشخص عن مجرد كونه فردا بيولوجيا، و بذلك تشكل هذه الخاصيات العنصرالثابث و المنظم في سيرته، الشيء الذي يجعله متميزا عن غيره. إن الشخصية إذن لهاطابع عام و مشترك بين جميع الكائنات البشرية من حيث مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية، و من ثم فهي لا ترتبط بالمكانة الاجتماعية، كما أن لها طابعا خاصا يتجلىفي مجموع الصفات التي تميز الشخص عن غيره تمييزا واضحا رغم ما يشترك فيه من صفات معالآخرين، كما أنها محددة زمنيا لارتباطها بتاريخ الفرد و تخضع لسيرورة نمو عبرمراحل معينة. إن الشخصية عبارة عن وحدة بنيوية معقدة يتفاعل فيها بيولوجي طبيعيمع ما هو نفسي معرفي و اجتماعي ثقافي و إبداعي، فهي نتاج لتفاعل هذه العواملالمجتمعة فهي بنية دينامية تتجلى عبر تمظهرات خارجية [ الجانب الفزيولوجي الجسمي والسلوك الخارجي ]، و تقوم في أساسها على خصوصية الشخص و تكيفه بصورة ملائمة معمحيطه. إن هذا يقتضي أن نحدد الفرق ما بين الشخص و الشخصية و هل يمكن القول أنالشخصية مرادفة للشخص أم أن هناك فرقا جوهريا بينهما، إن هذا الاختلاف هو ما تحـددهالـدلالتين الفلسفية و العلمية: أ- الدلالة الفلسفية: إن الحقل الدلالي الفلسفيلمفهوم الشخصية يتأسس على التصور الفلسفي للإنسان كشخص باعتباره ذاتا تعي وجودها وحريتها و تتمتع بالإرادة و تشعر بالمسؤولية و تدرك ما هو ثابت في وجودها الشيء الذييجعل منها ذاتا مجردة، و من ثم يكون الشخص هو الجوهر و الماهية في حين تصبح الشخصيةذلك المظهر الخارجي الذي يعكس حقيقة الجوهر. ب- هذا التمييز بين الشخص والشخصية سيتبلور بشكل أكثر وضوحا مع العلوم الإنسـانية، و ستعتبر الشخصية مجرد نمطأو نموذج نظري ينشأه العالم من أجل فهم و تفسير سيرة الشخص و سلوكه. و هذهالأنظمة الثلاثة هي: 1- نظـام الشخص من حيث هو عضوية بيـولوجية و ذات واعيةمسؤولة أخـلاقيا و قانونيا عن أفعالها. 2- النظام النفسي؛ فالإنسان له حياةنفسية تنمو و تتطور تبعا لمراحل نموه الجسمـي و النفسي و بما يعرفه هذا الأخير منأزمات و ما يراكمه من خبرات و تجارب. 3- النظام الاجتماعي: إن الفرد لا يعيشمنعزلا عن الاخرين بل يدخل في علاقات متعددة معهم ضمن محيط سوسيو ثقافي لكونه يعيشداخل أشكال من التنظيمـات و المؤسسات الاجتماعية و الثقافية. هذه الأنظمةالثلاثة تتفاعل فيما بينها بالإضافة إلى أنظمة أخرى اقتصادية و سياسية لتعطيللشخصية طابعها البنيوي المعقد و تجعل منها مفهوما متعدد الدلالات يختلف باختلافالحقول المعرفية و الخطابات التي تستعمل ضمنها بل و قد تتعدد داخل الخطاب الواحد،من هنا يتبلور مفهوم الشخصية كمفهوم إشكالي يقوم على مفارقات و تقابلات تجعل حقيقةالشخصية يتجاذبها ما هو فطـري طبيعـي و ما هو ثقافي مكتسب، و ما هو ذاتي فردي مع ماهو اجتماعي موضوعي، ما هو ثابت بنيوي و ما هو متغير تاريخي، ما هو ظاهر و ما هوباطن خفي إضافة إلى قدرتها على الفعـل بـدل الانفعـال و تطلعها إلى تحقيق حريتها واستقلالها بدل خضوعها و امتثالها. من خلال هذه التقابلات التي يتضمنها مفهومالشخصية يمكن طرح التساؤلات التالية: هل تتحدد الشخصية انطلاقا من المظاهر الخارجيةأم من خلال الواقع الباطني المستتر خلف القناع، هل يمكن تفسير و فهم الشخصيةبالاعتماد على نظام الشخص أم على مقومات النظام النفسي أم انطلاقا من مقومات النظامالاجتماعي ؟ أم أن هذا الفهم و التفسير لا يستطيعان استيعاب المحددات الأساسيةللشخصية إلا إذا تم الأخذ بعين الاعتبار ترابط و تكامل مجموع الأنظمة التي تتفاعلفي تكوينها ؟ هل يملك الإنسان من الحرية ما يجعله قادرا على اختيار شخصيته وفقالنموذج الذي يتلاءم مع تطلعاته و هل يستطيع تغييرها وفق ما يريده أم أنه محكوم (بحيثيات) بحتميات محددة تشرط وجوده و تحدد بالتالي شخصيته.
الشخصيـةو أنظمـة بنـائها :
يمكن النظر إلى الشخصية من زاويتين؛ فإما أن ينظر إليها من زاوية الفلسفة أوزاوية العلوم الإنسانية، فالأولى تحصرها في ماهية الشخص و كيفية عمله كنظام أماالثانية فتعتبرها نموذجا نظريا ينشأه العالم من أجل فهم و تفسير سيرة الشخص و سلوكهمن خلال أنظمة نفسية. إن الفلسفة تطرح سؤالا أساسيا و جوهريا ألا و هو ما الذييجعل الشخص متميزا عن غيره من أنواع الموجودات الأخرى ؟ إن هذا يدفعنا إلى البحث عنما يحدد الشخصية كما تبلورت عبر سيرورة الخطاب الفلسفي الديكارتي و التصور الكانطيو التصور الوجودي من خلال وجهة نظر سارتر. فما الذي يحدد الشخصية في نظر ديكارت؟ و ما الذي يجعل من الإنسان جوهرا متميزا عن باقي الموجودات ؟ ينطلق ديكارت منالتساؤل عن ذاته و بذلك يبقى وفيا لمنهج الشك الذي اعتمده كطريق لإنتاج الحقيقة والمعرفة، و يطرح السؤال من أكون أنا ؟ و يحاول الإجابة عن هذا التساؤل انطلاقا مناعتبار الإنسان ذاتا تتكون من جسد و روح و بعد ذلك يبحث في طبيعة كل منهما، فينتهيإلى أن الجسد من طبيعة مادية و يشترك مع بقية الأجسام الأخرى في نفس الصفات، فهويحتل حيزا معينا في المكان و له أبعاد ثلاثة و لهذا لا يمكن الاعتماد عليه لتحديدالشخصية أو الشخص، أما الروح فيعتبرها ديكارت فهي تتميز بخاصية أساسية ألا و هيالفكر، و على هذا الأساس يكون الإنسان أولا و قبل كل شيء ذاتا مفكرة أو جوهرا مفكرايعي وجوده بما يجعله متميزا و مختلفا عن سائر الموجودات. إذا كان الإنسان يتحددكجوهر مفكر يعي ما هو ثابت في وجوده و ما هو متغير و متحول، فشخصيته ستعكس هذاالجوهر المفكر العاقل من خلال ممارسته لمجموعة من العمليات الذهنية من شك و نقد وتحليل و تركيب و برهنة و استنتاج كل ذلك يمكن الذات من إنتاج خطاب حول ذاتها لهدلالة و معنى. من هنا تتجلى أهمية إدراك الذات في الشخصية الإنسانية خصوصاالمستوى الواعي فيها، لكن إذا كان ديكارت قد حدد قيمة الشخصية بمدى قدرة الإنسانعلى التفكير و غدراك ذاته بما هي متميزة و مختلفة عن أشياء العالم الخارجي فما الذييحدد قيمة الشخصية في نظر كانط ؟ ينطلق كانط من أن هناك اختلافا في تحديد طبيعةالعقل، فالعقل النظري كما حدده ديكارت لا يعطي للإنسان أية قيمة فهو يشكل سيئاكمجموع أشياء العالم الخارجي بل إذا نظرنا إلى الإنسان من زاوية العقل النظري فإنذلك سيؤدي إلى المفاضلة بين الناس كما لو كنا أمام تجارة البشر، و لكن بمجرد أنننظر إليه على أنه يتوفر على عقل أخلاقي عملي يصبح الشخص قيمة في حد ذاته و يسموعلى جميع الموجودات. فهو بالإضافة إلى كونه ذاتا مفكرة يتوفر على إرادة حرة و يكونمسؤولا أخلاقيا و قانونيا على جميع (أخلاقه) أفعاله، و ذلك ما يسمح له بأن يكونغاية و قيمة في ذاتها و هذا ما يشكل كرامته، تعبر عن إنسانيته و تستوجباحترامها. فإذا كان الحيوان يخضع فقط لضرورات النظام البيولوجي، و يعيش مندمجافي المحيط الطبيعي فإن هذه المقومات [ التفكير – الإرادة الحرة – المسؤولية ] هي مايجعل الإنسان متميزا عن الحيوان، و هي أساس كرامته، و تشكل في نفس الوقت قاسمامشتركا مع بقية أفراد جنسه لكنها في نفس الوقت تفرض عليه واجبا أخلاقيا ألا و هوالتعامل مع جميع الناس على أساس الاحترام المتبادل للكرامة الإنسانية. غير أنهذا الوعي بهذه المقومات يتم بكيفية تدريجية و تـراكمية يتفـاعل فيهـا نمو الفـرد ومكتسباته مع فعل التنشئة الاجتماعية و خلال هذا التفاعل يقوم الاخر بدور أساسي فيالكشف عن خبايا الأنا. إن هذا الآخر في صقل وعي الإنسان بذاته، فيساهم هذا الآخر ويكشف حقيقتها خلف ما تتمظهر بنفسها و ما تتوهمه كواقع لها. إن سارتر يجعل من الآخرشرطا أساسيا و ضروريا لإدراك حقيقة الذات بل و شرطا لابد منه لوجودها، غير أن هذاالآخر قد يكون عرقلة أمام تحررها و تحقيق جوهرها الذي هو الحرية. تتحدد الشخصيةمن وجهة نظر الخطاب الفلسفي باعتبارها مظهرا خارجيا يعكس حقيقة الشخص و جوهره، إنهانسق أو نظام من العلاقات الدينامية التي تتفاعل فيما بينها، و بالأخص كيفية وعيهامن قبل الإنسان في علاقة مع الذات المفكرة أو الذات الأخلاقية أو في علاقتها معالغير إذا كانت الفلسفة تنطلق من التساؤل عن جوهر الشخص لتحدد طبيعة الشخصية فإنالعلوم الإنسانية تنطلق من الشخصية [ النموذج النظري الذي ينشأه العالم ] لتحددسيرة الشخص و سلوكه، إن الاتجاه السلوكي في علم النفس يعتبر أن سلوكات الإنسان وتصرفاته إنما هي ناتجة عن تلك العلاقة بين المثيرات الخارجية و الاستجابات الداخليةو هكذا إذا استطعنا أن نتتبع سلوك شخص معين خلال مرحلة معينة من حياته فإننا نستطيعالكشف عن قدراته و مقوماته و سلوكاته الحقيقية و ما يمكن أن يؤديه من وظائف لأن هذهالسلوكات ما هي في آخر المطاف و حسب تعبير "واطسن" إلا استجابات لمثيرات خارجيةالشيء الذي يسمح لنا في آخر المطاف بالتنبؤ بما يمكن أن يطرأ على الشخصية من تغيراتكما يمكن توجيهها و التحكم فيها. إن المدرسة السلوكية و الاتجاه السلوكي اعتبرتالإنسان مجرد نظام طبيعي محكوم بالقوانين الطبيعية المشتركة بين كل الظواهر،فالمدرسة السلوكية إذن لا تعطي أية أهمية للشعور و اللاشعمر في تحديد الشخصية بينماستحاول مدرسة التحليل النفسي إعادة النظر في مختلف التصورات التي كانت سائدة حولالشخصية و ستعمل على تأسيس تصور جديد لها، إنها ستنظر إليها كبنية دينامية معقدةيتعين النظر إليها في كليتها و تفاعلها، فما هي الأسس التي يقوم عليها تصور مدرسةالتحليل النفسي ؟ إن الشخصية في نظر فرويد تتكون من ثلاث مقومات أساسية تتفاعلفيما بينها لتعطي لها طابعا خاصا فما هي هذه المقومات ؟ هناك الهو [ لقد أعادتمدرسة التحليل النفسي للجسم الذي لم يعره ديكارت أي اهتمام في تحديد الشخصية، كماسيعيد الاعتبار كذلك للأحلام و الحالات اللاشعورية التي استبعدتها المدرسة الشعوري،إن أول المقومات التي تتكون منها شخصيتنا هو [ الهو ] الذي يتضمن كل الميول والغرائز الفطرية و الموروثة و هو لا يخضع إلا لمبدأ واحد؛ الحصول على اللذة و تجنبالألم، يعتبر فرويد أن هذه الميول و الرغبات و الغرائز تتمحور كلها حول النوعةالجنسية أو ما يسمى بالطاقة "الليبدية" التي تعبر عن نفسها بطرق لا واعية خلال معظممراحل النمو الجنسي يمر بها المولود، و هذه المرحلة هي المرحلة الفمية ذلك الفميشكل وسيلة الاتصال الأساسية مع العالم الخارجي خلال المراحل الأولى من حياة [ الهو ]`المولود، لهذا يعتبر فرويد أنه في الوقت الذي يشبع فيه حاجته إلى الطعامفهو في نفس الوقت طريقة لا واعية تليها بعد الفطام المرحلة الشرجية تليها المرحلةالقضيبية، و بعد ذلك يدخل مرحلة الكمون التي يختفي فيها الإشباع اللاواعي ليحل محلهالفضول المعرفي ذلك أن عالم المولود يتسع الكن في هذه المرحلة 5 أو 6 سنوات يتعرضجنسه غما لعقدة أوديب أو عقدة إلكترا، فالطفل يرى في أبيه منافسا له في أمه و البنتمنافسة لهـا فـي أبيهـا، و غالبا ما يتم الخروج من هذه المرحلة بسلام نظرا لطقوسالتحريم في كل المجتمعات. إلا أن الكثير من الميول و الرغبات و الغرائز لا تجدطريقها إلى الإشباع و التحقق ذلك أنها تتكسر على صخرة الواقع، فيبدأ في التشكل نوعمن الوعي بأن هناك ما يمكن إشباعه و ما لا يمكن إشباعه، فيبدأ في التشكل ما يعرفبالأنا الذي هو جزء من الهو انفصل عنه تحت تأثير الواقع، إن الأنا يمثل ذلك الجانبمن شخصيتنا الذي نحيى به مع الآخرين و يتكون من أفعال و سلوكات إرداية واعية و اخرىلا شعورية استطاعت أن تتكيف مع الواقع و تتلاءم معه بكيفيـة مقبـولة اجتمـاعية، وتحت تأثير عمليةالتنشئة الاجتماعية و ما يكتسبه البعض خلال عملية التربية والتلقين و التعلم يتشبع الأنا بالقيم الأخلاقية و الدينية فينفصل جزء من الأناليشكل ما يسميه فرويد بالأنا الأعلى، إن الأنا الأعلى يشكل مجموع القيم و العادات والتقاليد التي اكتسبها الفرد فأصبحت جزءا من كيانه الداخلي و تمثل مرجعا لم يمكنالإقدام عليه أو الإحجام عنه إلا أن فرويد يعتبر أن الشخصية الإنسانية تتحدد منخلال العلاقة بين هذه المكونات الثلاث، فما طبيعة العلاقة بين هذه المكونات؟ يعتبر فرويد أن العلاقة بينها هي التي تحدد طبيعة الشخصية و هل هي شخصية سويةأم شخصية مرضية. إن الأنا يتعرض لضغط قوتين جبارتين فمن جهة هناك محتويات اللاشعورالتي تطمح إلى الإشباع و التحقق و من جهى أخرى هناك متطلبات الأنا الأعلى، علىالأنا أن يقوم بدور الرقيب أو الحارس اليقظ الذي عليه ألا يسمح بالتحقق إلا لما هومقبـول اجتمـاعيا أمـا الـرغبات و الميول و الغرائز التي تتنافى مع قيم مجتمع فعليهأن يلقيخا في الأسر لكنها تتحين كل فرصة لكي تعبر عن نفسها بشكل سافر و جلي، و أفضلمناسبة لذلك هي عندما تتراخى سلطة الرقابة خلال النوم و كذلك في حالات فلتات اللسانأو زلات القلم. كلما كان الأعلى قويا و استطاع أن يوازن بين كل من اللاشعور والأنا الأعلى شكل ذلك شخصية سوية، و كلما طغى أحدهما على الأنا أنتج ذلك شخصيةمرضية. إذا كانت السيكولوجيا قد ركزت على النظام النفسي بتحديد الشخصية، فإنالخطاب السوسيولوجي قد ركزت على النظام اجتماعي لتؤسس تصورها للشخصية على اعتبارأنها بناء نظري يقوم على محددات اجتماعية و سلطة المؤسسات، ذلك أننا نجد اهتماماكبيرا بالمصادر الاجتماعية للشخصية كالتأكيد على الدور الاجتماعية مع الاهتمامالقليل بالظروف البيولوجية الفطرية التي أكدها فرويد. إن التصور الاجتماعيللشخصية ينطلق من التفاعلات بين الناس و آثار هذه التفاعلات على نمو الشخص، إنالعلاقات بين الأفراد تحدد الأدوار المنظمة للثقافة ذلك أن المؤسسات الاجتماعية تصفكيف يجب أن يسلك الشخص و كيف ينظر إلى ذاته و إلى علاقته بالآخرين و ذلك بهدف دمجهفي حياة المجتمع و نضاله حتى يحافظ على الأخير و على توازنه و استمراره، إن الإنسانكائن اجتماعي بالضرورة و هكذا فكل مجتمع يطبع سلوكات أفراده و مواقفهم و عاداتهم وطرق تفكيرهم بطابعه الخص و ذلك بواسطة التربية و التنشئة الاجتماعية، فهذه الأخيرةتكسب الأفراد نماذج من القيم و التصورات و الاستجابات تساير متطلبات الحضارة التيينتمي إليها كل فرد و هكذا يستوعب الشخص عناصر الثقافة الاجتماعية لتصبح جزءا منمحددات شخصيته كما تحقق تكيفه مع محيطه الاجتماعي و تحدد انتماءه إليه بتوفير شروطتكيفه البيولوجي و النفسي و الذهني. إن الشخصية لها تاريخها الخاص لأنها تعيش،تنمو و تتطور في ظروف تـاريخية ملمـوسة و محددة، و انطلاقا من ذلك يمكن التساؤل عماإذا كان كل مجتمع يمارس تأثيره على الأفراد بنفس الكيفية و الفعالية بحيث يشكل كلذلك شخصية نمطية، أم أن نتائج فعل المجتمع تنتهي إلى أنماط سلوكية مختلفة ؟ إنالمجتمع لا يتحدد فقط بمجموع الأفراد المنتسبين إليه بل يتحدد من خلال شبكةالعلاقات التي يقيمها هؤلاء الأفراد فيما بينهم و ما يشتركون فيه من نمط عيش يعبرعن ثقـافة ذلك المجتمـع و التي تخضع لسيرورة مرتفعة بتطور شروطه المادية، و هكذايمكن القول إن كل مجتمع يتضمن حسب تصور "رالف لينتون" على الأقل شخصيتين؛ إحداهماأساسية و الأخرى وظيفية: فالشخصية الأساسية مجردة و تتمثل في كل ما هو عام و§مشترك بين أفراد المجتمع كأنماط السلوك و طرق الاستجابة و كذلك القيم المشتركة، إنهذه الشخصية الأساسية هي التي تمكن من التمييز بين مجتمع و آخر. أما الشخصية§الوظيفية فترتبط بالوضع و الدور، إنها شخصية مادية محسوسة ذات طابع متعدد، فالحياةالاجتماعية يمكن تشبيهها بخشبة المسرح تتناوب عليها الفرق المسرحية لكن كل فرد يقومبدوره لكن هذا الدور قابل للتغير. إن الشخصية الوظيفية ترتبط بدرجة تقدم المجتمعو بتقسيم العمل داخل كل مجتمع و مهمتها الأساسية السهر على حسن سير الحياةالاجتماعية بشكل يسمح باستيعاب مختلف الوظائف و الأدوار التي يقوم بها الأفراد فيالحياة الاجتماعية، إن علاقة شخصية الفرد بالمجتمع ترتبط بنوع المجتمع الذي يحياضمن أفراده و هكذا تختلف هذه العلاقة باختلاف نوع المجتمع، فإذا كانت شخصية الفردتذوب لصالح الجماعة في المجتمعات المسماة مغلقة كالعشيرة أو القبيلة. أما فيالمجتمعات المتقدمة و المسماة منفتحة فتظهر النزعة الفردية الشيء الذي يؤهل الفردللشعور بالعزلة و الانطواء و يؤدي في آخر المطاف إلى ظهور سلوكات مضطربة أو منحرفةو هذا يطرح على العلوم الإنسانية أعباء جديدة من أجل دراسة تلك الظواهر و توجيهها والتحكم فيها.
إن الانتقال من الاهتمام بالإنسان كذات في الفلسفة إلى الاهتمام به كموضوع مع العلوم الإنسانية واكب تطور الثورة الصناعية في المجتمعات الغربية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل تتطابق النماذج التي وضعتها العلوم الإنسانية مع حقيقة الشخصية في مختلف أبعادها، أم أنها مجرد نماذج نظرية لا تعكس حقيقة الذات و ما تملكه من وعي و قدرة على التحرر و تجاوز مختلف الشروط التي تحيا ضمنها و ما هي مخلفات تلك النظرة العلمية على فلسفة الإنسان ؟ لقد تبين لنا أن علوم الإنسان تؤكد على أن هذا الأخير محكوم بمجموعة من من الحتميات هي التي تشرط وجوده و توجهها عبر قنوات لتصاغ بكيفية لا شعورية و عن طريق إكراهات المؤسسات الاجتماعية، فمعظم العلوم الإنسانية تؤكد أن الإنسان لا يعدو كونه مفعولا به و نتاجا لتفـاعل بنيـات و قواعد مؤسسية مختلفة تمارس عليه فعلها و إكراهاتها. إن الإنسان لم يختر والديه و لا المجتمع الذي يعيش فيه و لا اللغة التي يتكلمها، كما أنه يدخل خلال عملية مستقلة عن إرادته، فمدرسة التحليل النفسي تؤكد أن الشخصية محكومة بحتميات لاشعورية هي التي تحدد في آخر المطاف الطابع المميز للشخصيات، و في نفس الوقت تؤكد الدراسات السوسيولوجية و الأنتروبولوجية على أن المجتمع يمارس تأثيره على الأفراد و يحدد أدوارهم و وظائفهم، و هكذا تبدو الشخصية من منظور العلوم الإنسانية عبارة عن نماذج نمطية جاهزة يتأطر ضمنها الأفراد بشكل موضوعي و مستقل عن إرادتهم، الشيء الذي سيدفع البعض إلى اعتبار كل النزعات العلمية التي تتبنى هذه الأطروحات بأنها ضد إنسانية و أنها حولت الإنسان إلـى شـيء و نزعت عنه كل خصوصيات الذات المتمثلة في الإرادة و الوعي و الحرية و التلقائية و بذلك تكون قد قتلت الإنسان. إن قتل الإنسان هنا يتخذ معنى خاصا جدا، فهو من جهة إلغاء لذاتيته و لكل ما هو خاص فيه، و من جهة أخرى تحويله إلى موضوع يتم تناوله من زاوية معينة و اعتبار الجزء محددا للكل.
FOUAD Admin
نجم المنتدي : ..... الولايه : ..المسيله عدد المساهمات : 3220 6 العمر : 47